كان لإحراق المواطن التونسي محمد البوعزيزي نفسه يوم 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2010 ، وما أعقبه من انتفاضة شعبية في وطنه تأثير كبير على نقاشات الموريتانيين. ولم يمض إلا شهر واحد حتى تحول النقاش من فعل البوعزيزي وثورة التونسيين إلى قيام المواطن الموريتاني يعقوب ولد دحود في يوم17 يناير 2011 بإضرام النار في نفسه أمام مجلس الشيوخ الموريتاني وتركه وصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، دعـى فيها الشباب الموريتاني إلى ”الخروج والصمود في وجه النظام حتى تتحقق طموحاتهم، وطالب فيها بإلغاء جميع الرسوم والضرائب على المواد كالأرز، القمح، الزيوت، السكر، والألبان ومراقبة الأرباح الفاحشة عليها"، كذالك تعويض رسوم المواد الأساسية بالرسوم على السجائر والسيارات الفاخرة، والرسوم على البواخر الأوربية التي قال إنها تنهب ثروات موريتانيا. كما طالب أيضاً بإخراج النشطاء الحقوقيين الذين يحاربون العبودية من السجن المدني"، بالإضافة إلى تغييرات دستورية على النحو التالي:
* لايحق لعسكري حالي أو سابق أن ينتخب في منصب رئاسة الجمهورية.
* تشكيل لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات و فرز أصواتها و الإعلان عن نتائجها.
* إلزامية اقتراح رئيس الوزراء من طرف الكتل الأكثر نوابا في البرلمان.
* إلزامية تزكية البرلمان لوزراء العدل، الداخلية، الصحة، المالية، والتعليم.
* إلزامية تزكية البرلمان لرؤساء المحاكم و المدعي العام.
* إلزامية تزكية البرلمان لأعضاء المجلس الدستوري. الإعلان بمرسوم عن انتخابات رئاسية وتشريعية في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ المرسوم.
احتراق ولد دحود بنار البوعزيزي والمطالب التي تركها بعد وفاته، فتحت الباب أمام التساؤل عن إمكانية الثورة في موريتانيا وعن عوائقها. وما إن نجح الشعب التونسي في إسقاط نظام بن علي والمصري في الإطاحة بنظام مبارك إلا وبدأت الدعوات للتظاهر تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي. حسب النشطاء الموريتانيون فإن الوضع في موريتانيا أسوأ منه في تونس ومصر، فالبطالة تزيد على 36% والفقر على 60% وذلك رغم ما تحويه موريتانيا من ثروات معدنية (الذهب والنحاس) وسمكية هائلة وأخرى حيوانية وأن سكانها لا يتجاوز عددهم ثلاثة ملايين واستشراء الفساد والنهب الممنهج للثروة والحكم الفردي وارتهان الرئيس إلى القبيلة ودائرة المقربين واستحواذه على وسائل الإعلام العمومية ووضعه اليد على القضاء وتعطيله لمؤسسات الدولة الموريتانية وانتهاجه للقمع، وهنا سأحاول سرد قصة الحراك في موريتانيا عبر مجموعة من العناوين.
انتفاضة شباب 25 فبراير: خرج الشباب الموريتاني في الخامس والعشرين من فبراير 2011 في وتجمع في ساحة (بلوكات) في العاصمة الموريتانية نواكشوط وذلك على طريقة الربيع العربي. وجاءت تلك الهبة بعد دعوات أطلقها المدونون والنشطاء الموريتانيون على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ورفعوا عدة مطالب مثل: سقوط حكم العسكر والدولة المدنية والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية وتعزيز الوحدة الوطنية. وفاجأ خروج الشباب الموريتاني العفوي النظام والشباب أنفسهم وفي أول الأمر لم يتم قمعهم من قبل قوى الأمن، لكن ذلك لم يدم طويلاً فبدأ بقمعهم بعد شهر من خروجهم الأول وذلك نتيجة لتفاعل الشارع مع حراكهم ومطالبهم. لكن القمع لم يثن هذا الشباب عن مواصلة نشاطه والتعبئة والحشد ضد النظام. إلا أن حراك هذا الشباب شهد تراجعاً كبيراً بعد مرور أشهرعليه فبدأت الأعداد تقل والأنشطة تتراجع مما أفقده وهجه ويرجع بعض المراقبين ذلك إلى:
القمع الشرس الذي واجه به النظام انتفاضة الشباب ودس بعض المخبرين بين النشطاء وزرع الخلافات بينهم وتقوقع الحراك في العاصمة نواكشوط وفشله في خلق أذرع في مدن الداخل الموريتاني. كما أن تحول الربيع العربي من السلمية إلى الثورة المسلحة (نموذج ليبيا) جعل البعض يعيد حساباته ويتخوف من تكلفة التغيير التي قد تكون باهظة. وقيام النظام بزرع قلاقل عرقية بين الزنوج والعرب في الجامعة محاولاً خلق جو يرعب الناس من فكرة الثورة في بلد متعدد الأعراق. كذلك انتشار الأمية وقلة الوعي بين المواطنين وتحكم البعد القبلي والقيادات التقليدية في قرارات الأفراد وضعف الطبقة المتوسطة في موريتانيا وعدم تفاعل النخب والنقابات العمالية مع الشباب المحتج.
ومع كل هذا وبالرغم من تراجع وهج حراك شباب 25 فبراير إلا أنه استمر إلى يومنا هذا وتمخض عن حركة احتجاجية تنتهج المقاومة المدنية وقيم اللاعنف تسمى حركة 25 فبراير. استطاعت هذه الحركة أن تحافظ على الحراك وخلدت في يوم 25 فبراير 2013 الذكرى الثانية لخروج الشباب. وترفع هذه الحركة مطالب نذكر منها:
* إقامة دولة ديمقراطية مؤسسية تكون فيها السلطة للشعب ولا وصاية فيها للعسكر، يحصل فيها الفرد على حقوقه دون الحاجة لوساطة أي كان.
* تعزيز الوحدة الوطنية وخلق لحمة حقيقية بين مختلف مكونات الشعب من خلال محاربة كافة أشكال العنصرية والتهميش والقضاء التام على الرق ومخلفاته وإيجاد تمييز إيجابي لصالح الفئات الأكثر هشاشة.
* دعم للأسعار يراعي قدرات الفئات الأكثر فقراً وتوفير رعاية صحية في متناول الجميع.
* نظام تعليم يراعي حاجيات سوق العمل، وعمل يضمن العيش الكريم لصاحبه.
* وقف النهب الممنهج لثروات البلاد وأرزاق العباد والشروع باستغلال أمثل لتلك الثروات.
وتعتبر هذه الحركة أن موريتانيا مختطفة من قبل العسكر منذ انقلاب 1978 الذي استولى بعده الجيش على الحكم في موريتانيا وأطاح بأول رئيس لموريتانيا بعد استقلالها عن فرنسا وهو المدني المختار ولد داداه. وبدأت بعد ذالك سلسلة الانقلابات إلى أن كان اَخرها إطاحة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز بالرئيس المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله انقلاب 6 أغسطس 2008.
حراك منسقية المعارضة: انضمت المعارضة الموريتانية التقليدية المتمثلة في (منسقية المعارضة الموريتانية) إلى ركب المطالبين بسقوط نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في الثاني عشر من مارس 2012. وذلك عبر تنظيمها مسيرة ضخمة جابت شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط وبدأت منذ ذلك التاريخ بالمطالبة والحشد من أجل رحيله وقد قامت بالعديد من المسيرات والمهرجانات في عديد المدن الموريتانية وحاولت الاعتصام في العاصمة نواكشوط لكن الأمن فرق تجمعها بالقوة.
تبرر منسقية المعارضة الموريتانية مطالبتها برحيل النظام بالنقاط التالية:
منذ استولى على السلطة بانقلاب عسكري دبره في 6 أغشت 2008 وزور انتخابات 19 يوليو 2009 التي تقررت بموجب اتفاق داكار وهو ينفرد بإدارة شؤون البلد بارتجالية تامة وانعدام للرؤية مدمر للوطن؛ أن الانتخابات المزورة التي شرعت النظام الحالي وما تلاها من تمادي محمد ولد عبد العزيز في رفض حوار وطني جاد ومسؤول قد وضعا البلاد في حالة أزمة مستمرة؛ أنه قام بتأجيل الانتخابات التشريعية في اختراق سافر للدستور متسبباً في انسداد سياسي ومؤسسي خطير على البلاد يستحق المسؤول عنه الملاحقة بتهمة الخيانة العظمى؛ أن الدولة في عهده شهدت انهياراً غير مسبوق طال كافة هياكلها و مفاصلها وطال قيم و أخلاق شعبها مما يهدد بقاء موريتانيا ككيان قائم له مقومات البقاء؛ أنه أسس لنهب منظم لخيرات البلاد من طرفه هو نفسه ومن طرف جماعة قليلة من مقربيه وأعوانه، حيث حطموا الرقم القياسي في الاستثراء على حساب الشعب وتركوا الموريتانيين عرضة للجوع والمرض والبطالة والجفاف؛ أنه كرس العنصرية والقبلية والاستعباد والظلم ومصادرة الحريات في البلاد؛ أنه زج بموريتانيا في حرب بالوكالة زعزعت منطقة الساحل برمتها وأهان الجيش الوطني وفكك قوات الأمن وأسس لنواة مليشيا مسلحة تهدد أمن البلاد و تماسك الشعب؛ أنه عجز عن إقناع الشعب الموريتاني بأهليته الثقافية والسياسية والأخلاقية لتحمل مهام رئيس الجمهورية وأنه يدير الشأن العام بسوقية مدمرة.
تتكون منسقية أحزاب المعارضة من مجموعة من الأحزاب المتنوعة المشارب والخلفيات الإيديولوجية وأهمها:
حزب تكتل القوى الديمقراطية وهو عضو في الأممية الاشتراكية الدولة ويقوده زعيم المعارضة الموريتانية الذي سبق وترشح مرات عديدة للرئاسة، وقد وصل للدور الثاني في الانتخابات التي نظمت 2007 بعد سقوط نظام معاوية ولد سيد أحمد الطائع (رئيس موريتانيا من 1984 الىعام2005) والتي فاز فيها المدني سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي انتهى حكمه بانقلاب الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز. وظل حزب التكتل دائماً في ركب المعارضة ويطالب بالديمقراطية ويملك هذا الحزب قاعدة شعبية كبيرة، إلا أن دعمه للانقلاب على أول رئيس مدني منتخب أضر كثيراً بصورته كمطالب بالديمقراطية. و حزب تواصل وهو ممثل الإخوان المسلمين في موريتانيا وقد تحول من المعارضة الناصحة إلى الناطحة وهو حزب حديث النشأة ويحاول أن يبني قاعدته الشعبية .أما الطرف الثالث الأقوى في المنسقية فهو حزب اتحاد قوى التقدم ذا الميول اليسارية والوريث الشريعي لمدرسة اليسار الموريتاني وقد وقف في وجه انقلاب محمد ولد ولد عبد العزيز على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله.
رغم أن منسقية المعارضة قادرة على الحشد في المسيرات إلا أن بعض المراقبين يرون أنها غير جادة في مطالبتها برحيل النظام. فمسيراتها مرخصة مما يتنافى والعمل الثوري الذي تتطلبه عملية التغيير، و يرى هؤلاء أنها تفتقد للتجانس فهي تحمل أطرافاً عديدة متنافرة وتحالفها قد لا يطول. لكن قادتها وقعوا وثيقة تفيد أن تحالفهم مستمر حتى سقوط النظام الحالي وأنهم لن يدخلوا معه في تسوية تشرع حكمه.
الحراك العمالي و المطلبي:
شهدت موريتانيا في السنتين الأخيرتين مجموعة من الاحتجاجات المطلبية قادها العمال والنقابيون من أساتذة تعليم ثانوي وعمال مناجم وطلاب جامعيين ونشطاء. ففي المدن المنجمية خاض عمال المناجم العاملين في شركة mcm الكندية التي تستخرج الذهب والنحاس في موريتانيا احتجاجات قوية مطالبين برفع أجورهم وتوفير ظروف ملائمة للعمل وحمايتهم من مخاطر محاليل استخراج الذهب والنحاس إلا أن قيام الحرس الوطني بقتل ولد المشظوفي، أحد عمال الشركة، جعل تلك الاحتجاجات تتصاعد وتيرتها وجعلت الأجانب العاملين في مدينة أكجوجت المنجمية يغادرونها خوفاً من العمال الغاضبين.
كما قام العمال الغير الدائمين في"سنيم" التي تستخرج الحديد في موريتانيا باحتجاجات قوية وعدة اعتصامات وسار بعضهم في مسيرة راجلة طولها 700 كلم. ويطالب هؤلاء العمال بالاستفادة من زيادات الأجور التي منحتها شركة “سنيم” لعمالها ويطالبون بالضمان الاجتماعي وبإعطائهم أسبقية في العمل كمواطنين موريتانيين عوض اللجوء إلى العمالة الأجنبية من الدول المجاورة، بالإضافة إلى التعاقد مباشرة مع الشركة بدل العقود المبرمة مع الشركات الوسيطة التي لا تمنحهم إلا 40% مما تدفعه لهم “أسنيم” مقابل كل عامل. وهو الأمر الذي يعتبرونه بمثابة مقاولة للبشر ونوع جديد من الاسترقاق. وفي نفس السياق قام عمال شركة كينروس تازيازت الكندية، التي تستحوذ على أكبر منجم ذهب في موريتانيا وهو الثاني على مستوى العالم بمجموعة من الاحتجاجات تطالب بتحسين ظروفهم. وأطلق بعض النشطاء الموريتانيين مجموعة من الحملات ضد هذه الشركات التي يقول الموريتانيين إنها لا تتبع معايير البيئة وتهدد حياة المواطنين ولا تعطي لموريتانيا سوى 4% من ذهبها ونحاسها ويعتبرونها نوعاً من الاستعمار الجديد ومثالاً لتغطرس الامبريالية العالمية.
أما في قطاع التعليم فقد نظم الأساتذة مجموعة من الاعتصامات والإضرابات من أجل وضعهم في ظروف جيدة وقام النظام بمعاقبتهم بالتحويل التعسفي وقطع مرتبات مجموعة منهم.خاض كذلك طلاب جامعة نواكشوط والمعهد العالي مجموعة من الاحتجاجات مطالبين بتعليم عصري يراعي متطلبات العصر. واجهها النظام بالقمع وفصل العديد من الطلاب.
عرفت مدن موريتانيا الداخلية بدورها احتجاجات من أجل تعبيد الطرق. فقد سار سكان مدينة المذرذرة الواقعة في الجنوب الموريتاني على أقدامهم وقطعوا أكثر من 50 كلم من أجل المطالبة بتعبيد الطريق الذي يربطهم بمدينة تكند. وبدورهم قام سكان مركز فصالة منتصف فبراير 2011 في الشرق الموريتاني بإحراق مقر البلدية ومرافق عمومية أخرى، وذالك بعد أن خرجوا للاحتجاج على ارتفاع الأسعار وانعدام الماء والكهرباء والرعاية الصحية. كذالك سار نشطاء من مدينة نواذيبوا في الشمال الموريتاني مسيرة على الأقدام طولها أكثر من 470 كلم حتى وصلوا إلى القصر الرئاسي في العاصمة نواكشوط من أجل المطالبة بتحسين وضع مدينتهم. وشهدت السنتان الأخيرتان مجموعة من الاحتجاجات لحملة الشهادات العاطلين عن العمل، وخرجت إلى النور العديد من التنسيقيات والتشكيلات التي بدأت تنظم اعتصامات ووقفات احتجاجية للمطالبة بتشغيل الشباب واجهها النظام بالقم.
انتفاضة الماء: شهدت مدن الداخل الموريتانية في السنتين المنصرمتين إحتجاجات قوية مطالبة بالماء الصالح للشرب بعد أن ساد العطش عدة مدن أذكر منها: "مدينة "كيفة" عاصمة ولاية لعصابة جنوب البلاد ومدينة "تجكجة" عاصمة ولاية تكانت وسط البلاد ومدينة "كرو" مقاطعة بولاية لعصابة جنوب البلاد و مدينة "مقطع لحجار" مقاطعة بولاية لبراكنة وسط البلاد مدينة"جيكني" مقاطعة بولاية الحوض الشرقي ومدينة تامشك ومدينة بوتلميت ومدن أخرى . ففي مدينة مقطع لحجار أصر السكان على مطالبهم فخرجوا في عديد المسيرات الحاشدة دون توقف وعندما زارهم الرئيس الموريتاني استقبلوه بحاويات الماء الفارغة ومنعوا موكبه من الدخول مما دعا الأمن إلى القيام بسلسلة اعتقالات.
احتجاجات عرقية: شكل الإحصاء المدني الذي شرعت فيه السلطات الموريتانية منتصف 2011 تطوراً في الحراك الموريتاني حيث طرأ له فاعل جديد وهو القوى الزنجية التي كانت غائبة عن حراك 25 فبراير. فقد اعتبر الزنوج أن الإحصاء موجه وغرضه إقصائهم وانتزاع جنسياتهم منهم لذالك أسسوا حركة أعطوها اسم (لاتلمس جنسيتي) وأعلنوا التعبئة والخروج ضد الإحصاء والنظام. قامت هذه الحركات بعدة مسيرات في العاصمة الموريتانية نواكشوط ومدن ضفة نهر السنغال حيث يتواجد الزنوج في موريتانيا. كان رد النظام هو القمع والاعتقال ونتج عن ذلك العديد من الإصابات وقتل أحد نشطاء الحركة. كما قام النظام باعتقال منسقها ومجموعة من نشطائها. أخذت هذه الحركة التي تأسست لمناهضة الإحصاء تطرح بعد ذلك طرحاً أخر وتطالب بإنصاف الزنوج في موريتانيا بشكل عام ومعاقبة من ارتكبوا جرائم بحق الزنوج في عهود الحكم السابقة. كذلك قامت عدة منظمات حقوقية بتنظيم قافلتين في عامي 2012 و2013 إلى قرية (إينال) لإحياء ذكرى تعرض مجموعة من الضباط الزنوج للإبادة سنة 1991 وطالبوا بمعاقبة الجناة. كما نظمت تشكيلات زنجية أخرى مسيرات تطالب بإلغاء قانون يعفو عن المتورطين في قتل الزنوج الموريتانيين على يد عناصر الجيش الموريتاني.
الحراك ضد العبودية: مازالت أسئلة العبودية ومخلفاتها مطروحة بقوة في موريتانيا الأمر الذي جعل هذه القضية تتصدر المشهد الموريتاني في السنتين الأخيرتين وذلك لما تثيره من جدل وللعمل الذي يقوم به النشطاء الحقوقيين المناهضين لها والذين يكشفون حالاتها ويفضحون ملاك العبيد وينتقدون وقوف النظام معهم وعدم تطبيق القانون على الاستعباديين فقد قاموا بمجموعة من الاحتجاجات المطالبة بالقضاء علىها وعلى ومعاقبة المستعبدين.
لكن أكثر ما أثار الجدل هو قيام بيرام ولد أعبيدي، زعيم حركة "إيرا " المناهضة للعبودية بإحراق مجموعة من الكتب الفقهية التي يتهمها بترسيخ فقه النخاسة،فحسب وجهة نظره الاستعباد كان يمارس تحت غطاء ثقافة النخاسة التي تروج تلك الكتب وكان يمارس الاستعباد على شريحة العبيد الصبورة المسلمة إسلاماً صادقاً لم تشبه شوائب. أدى هذا إلى موجة عارمة من الاحتجاجات المناهضة للفعلة وتم على إثرها اعتقاله مما جعل أنصاره يخرجون في مسيرات تطالب بإطلاق سراحه وهو ما تم بعد عدة شهور.
نستنتج مما سبق أن موريتانيا تأثرت بالربيع العربي وشهدت حالة من الاحتجاج والرفض المتواصل والمتنوع، فالشباب خرج ضد حكم العسكر والمعارضة طالبت بسقوط الرئيس والشعب انتفض من أجل الكرامة والعمال قالوا كلمتهم. لكن كل ذالك لم يسقط النظام كما حدث في بلدان الربيع العربي والسبب في ذالك يعزوه البعض إلى انعدام التنسيق بين هذه الفعاليات التي تحتج في موريتانيا فكل فصيل يغرد لوحده، وأن المؤسسة العسكرية في موريتانيا لم تجد أن هذه الاحتجاجات قد بلغت الحد الذي يفرض عليها الانصياع لمطالب الشعب. كما يقول بعض الأطراف المعارضة إن الرئيس الحالي مدعوم من قبل النظام الفرنسي بحيث يعتبره شريكاً وحليفاً مهماً في حربه ضد القاعدة في شمال مالي، فبعض القوى المعارضة الموريتانية تتهم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بأنه من أتى بالرئيس الموريتاني الحالي عبر خلية فرنسا إفريقيا وأن الرئيس الحالي فرانسوا هولاند تابع نهج ساركوزي. وقد خرجت المعارضة في مسيرة ضخمة ضد ما أسمته الوصاية الفرنسية على موريتانيا سبقتها حملة أطلقتها حركة 25 فبراير تحمل عنوان "لا للوصاية نعم للشراكة ".
لكن مع تزايد الاحتجاج ومواصلة النظام إنتهاج القمع سبيلاً لردع هذه الاحتجاجات بدل القيام بمشاريع لتحسن صورته وترفع الظلم عن المواطنين ووقف سيل الفساد ونهب الثروة وتجاهل حالة الاحتقان الموجودة في الشارع وسخريته الدائمة عبر وسائل الإعلام من المطالبين بسقوطه ووصفه لهم بفلول الأنظمة السابقة والمفسدين، قد يتفجر الوضع ويتطور، خاصة إذا نجحت القوى المعارضة للنظام في التنسيق وتوحيد الجهود. وهو أمر مطروح بقوة في الساحة الموريتانية. يلاحظ كذالك أن الشباب الموريتاني أصبح أكثر تنظيماً وتشبيكاً ويحاول جاهداً التغلب على معضلة الطرح العرقي والقبلي التي تعوق الحراك في موريتانيا المتعددة والمتنوعة عرقياً، فمشروع التغيير يتطلب أن يكون محل إجماع وأن يكون مشتركاً فلايمكن لفصيل واحد صنعه أو إنجازه.